الاثنين، 9 سبتمبر 2024

من سورة يوسف

 صدقة جارية 

تفسير اية رقم ٧٣_٧٦

من سورة يوسف 

﴿قَالُوا۟ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَـٰرِقِینَ (٧٣) قَالُوا۟ فَمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُهُۥۤ إِن كُنتُمۡ كَـٰذِبِینَ (٧٤) قَالُوا۟ جَزَ ٰ⁠ۤؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِی رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَ ٰ⁠ۤؤُهُۥۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی ٱلظَّـٰلِمِینَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوۡعِیَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَاۤءِ أَخِیهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَاۤءِ أَخِیهِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ كِدۡنَا لِیُوسُفَۖ مَا كَانَ لِیَأۡخُذَ أَخَاهُ فِی دِینِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِی عِلۡمٍ عَلِیمࣱ (٧٦)﴾ [يوسف ٧٣-٧٦]


لَمَّا اتَّهَمَهُمْ أُولَئِكَ الْفِتْيَانُ بِالسَّرِقَةِ، قَالَ لَهُمْ إِخْوَةُ يُوسُفَ: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أَيْ: لَقَدْ تَحَقَّقْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مُنْذُ(١) عَرَفْتُمُونَا، لِأَنَّهُمْ(٢) شَاهَدُوا مِنْهُمْ سِيرَةً حَسَنَةً، أنَّا مَا جِئْنَا لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، أَيْ: لَيْسَتْ سَجَايَانَا تَقْتَضِي هَذِهِ الصِّفَةَ، فَقَالَ(٣) لَهُمُ الْفِتْيَانُ: ﴿فَمَا جَزَاؤُهُ﴾ أَيِ: السَّارِقُ، إِنْ كَانَ فِيكُمْ ﴿إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ﴾ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ عُقُوبَتَهُ إِنْ وَجَدْنَا فِيكُمْ مِنْ أَخَذَهُ(٤) ؟ ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾وَهَكَذَا كَانَتْ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ السَّارِقَ يُدْفَعُ إِلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَلِهَذَا بَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ، أَيْ فَتَّشَهَا قَبْلَهُ، تَوْرِيَةً، ﴿ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ بِحُكْمِ اعْتِرَافِهِمْ وَالْتِزَامِهِمْ وَإِلْزَامًا لَهُمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ وَهَذَا مِنَ الْكَيْدِ الْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذَهُ فِي حُكْمِ مَلِكِ مِصْرَ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ.وَإِنَّمَا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَنِ(٥) الْتَزَمَ لَهُ إِخْوَتُهُ بِمَا الْتَزَمُوهُ، وَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ؛ وَلِهَذَا مَدَحَهُ تَعَالَى فَقَالَ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ١١] .﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ عَالِمٌ إِلَّا فَوْقَهُ عَالِمٌ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ، فَتَعَجَّبُ رَجُلٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، اللَّهُ الْعَلِيمُ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ](٦) وَكَذَا رَوَى سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ قَالَ: يَكُونُ هَذَا أَعْلَمَ مِنْ هَذَا، وَهَذَا أَعْلَمَ مِنْ هَذَا، وَاللَّهُ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. وَهَكَذَا(٧) قَالَ عِكْرِمَةُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى اللَّهِ، مِنْهُ بُدئ وَتَعَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ "وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ".


(١) في ت: "مذ".

(٢) في ت: "لا لأنهم".

(٣) في أ: "فقالت".

(٤) في أ: "فيهم من أخذها".

(٥) في ت: "أنه".

(٦) زيادة من ت، أ.

(٧) في ت، أ: "وكذا".


(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))




ليست هناك تعليقات: