الجمعة، 23 فبراير 2024

من سورة التوبة

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٦٩
من سورة التوبة 
﴿كَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوۤا۟ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةࣰ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَ ٰ⁠لࣰا وَأَوۡلَـٰدࣰا فَٱسۡتَمۡتَعُوا۟ بِخَلَـٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَـٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَـٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِی خَاضُوۤا۟ۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾ [التوبة ٦٩]

يَقُولُ تَعَالَى: أَصَابَ هَؤُلَاءِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، ﴿فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: بِدِينِهِمْ، ﴿كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ أَيْ: فِي الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ، ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أَيْ: بَطَلَتْ مَسَاعِيهِمْ، فَلَا ثَوَابَ لَهُمْ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ ﴿فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ عَلَيْهَا ثَوَابٌ.قَالَ ابْنُ جُرَيْج عَنْ عُمَر بْنُ عَطَاء، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ، ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، شُبِّهْنَا بِهِمْ، لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَتَّبِعُنَّهُمْ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ جُحر ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ".قَالَ ابْنُ جُرَيْج: وَأَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ(١) بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَتَّبِعُنَّ سَنَن الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَبَاعًا بِبَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْر ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ". قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَهْلُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: "فَمَه"(٢)وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَر، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمُ الْقُرْآنَ. ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ﴾ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الْخَلَاقُ: الدِّينُ. ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمَا صَنَعَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: "فَهَلِ الناس إلا هم"(٣) وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ(٤)

(١) في ت: "زياد".
(٢) رواه الطبري في تفسيره (١٤/٣٤٢) .
(٣) رواه الطبري في تفسيره (١٤/٣٤١) .
(٤) في صحيح البخاري برقم (٧٣١٩) من طريق محمد بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة التوبة

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٦٩
من سورة التوبة 
﴿كَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوۤا۟ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةࣰ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَ ٰ⁠لࣰا وَأَوۡلَـٰدࣰا فَٱسۡتَمۡتَعُوا۟ بِخَلَـٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَـٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَـٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِی خَاضُوۤا۟ۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾ [التوبة ٦٩]

يَقُولُ تَعَالَى: أَصَابَ هَؤُلَاءِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، ﴿فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: بِدِينِهِمْ، ﴿كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ أَيْ: فِي الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ، ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أَيْ: بَطَلَتْ مَسَاعِيهِمْ، فَلَا ثَوَابَ لَهُمْ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ ﴿فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ عَلَيْهَا ثَوَابٌ.قَالَ ابْنُ جُرَيْج عَنْ عُمَر بْنُ عَطَاء، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ، ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، شُبِّهْنَا بِهِمْ، لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَتَّبِعُنَّهُمْ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ جُحر ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ".قَالَ ابْنُ جُرَيْج: وَأَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ(١) بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَتَّبِعُنَّ سَنَن الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَبَاعًا بِبَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْر ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ". قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَهْلُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: "فَمَه"(٢)وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَر، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمُ الْقُرْآنَ. ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ﴾ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الْخَلَاقُ: الدِّينُ. ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمَا صَنَعَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: "فَهَلِ الناس إلا هم"(٣) وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ(٤)

(١) في ت: "زياد".
(٢) رواه الطبري في تفسيره (١٤/٣٤٢) .
(٣) رواه الطبري في تفسيره (١٤/٣٤١) .
(٤) في صحيح البخاري برقم (٧٣١٩) من طريق محمد بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الأحد، 11 فبراير 2024

من سورة التوبة

صدقة جارية
تفسير اية رقم ٥٥
من سورة التوبة 
﴿فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰ⁠لُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ﴾ [التوبة ٥٥]

يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١] وَقَالَ: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ:٥٥، ٥٦]
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: بِزَكَاتِهَا، وَالنَّفَقَةِ مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ، تَقْدِيرُهُ: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ، [فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا](١) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا [فِي الْآخِرَةِ](٢)وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْقَوْلُ القَوي الْحَسَنُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ أَيْ: وَيُرِيدُ أَنْ يُمِيتَهُمْ حِينَ يُمِيتُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَنَكَى لَهُمْ وَأَشَدَّ لِعَذَابِهِمْ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْرَاجِ لَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ.

(١) زيادة من ت، ك، أ.
(٢) زيادة من ت، ك، أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة التوبة

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٥٢_٥٣ 
من سورة التوبة 
﴿قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَیَیۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن یُصِیبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابࣲ مِّنۡ عِندِهِۦۤ أَوۡ بِأَیۡدِینَاۖ فَتَرَبَّصُوۤا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلۡ أَنفِقُوا۟ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهࣰا لَّن یُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ (٥٣) وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَـٰتُهُمۡ إِلَّاۤ أَنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا یَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا یُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَـٰرِهُونَ (٥٤)﴾ [التوبة ٥٢-٥٤]

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا﴾ ؟ أَيْ: تَنْتَظِرُونَ بِنَا ﴿إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ شهادَة أَوْ ظَفَرٌ بِكُمْ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ. ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ أَيْ: نَنْتَظِرُ بِكُمْ هَذَا أَوْ هَذَا، إِمَّا أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا، بِسَبْيٍ أَوْ بِقَتْلٍ، ﴿فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ أَيْ: مَهْمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ طَائِعِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ ﴿لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ، ﴿إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ أَيْ: [قَدْ كَفَرُوا](١) وَالْأَعْمَالُ إِنَّمَا تَصِحُّ بِالْإِيمَانِ، ﴿وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، وَلَا هِمَّةٌ فِي الْعَمَلِ، ﴿وَلا يُنْفِقُونَ﴾ نَفَقَةً ﴿إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَنَّهُ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا؛ فَلِهَذَا لَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ نَفَقَةً وَلَا عَمَلًا لأنه إنما يتقبل من المتقين.

(١) زيادة من أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))