الثلاثاء، 19 مارس 2013

الإمام الشافعي




الشافعى 
الإمام الشافعي

قاضي الشريعة.. وخطيب الفقهاء



على الرغم من أن الإمام الشافعي لم يكن قاضيا في مصر قط، فإن أهل مصر يسمونه «قاضي الشريعة».. وما زال العديد من أصحاب الحاجات الذين لم ينالوا حظا من التعليم يتجهون الى ضريح الإمام الشافعي في الحي المعروف باسمه في القاهرة، فيقدمون الظلامات، ويسألون الله تعالى أن يقضي لهم حاجاتهم، ويرد عنهم الظلم، متوسلين بالإمام الشافعي قاضي الشريعة.

وقد شاع بني أهل مصر أن الإمام الشافعي هو قاضي الشريعة، منذ قدم الى مصر عام 199هـ، وهو يخطو الى الخمسين، رجلا طويلا ممشوق القامة، فارسا، أسمر كأبناء النيل، بشوشا ضاحك الوجه. مهذب اللحية، يصبغ لحيته وشعره بالحناء اتباعا للسنة، عذب الحديث، رخيم الصوت، يشع البريق من عينيه بصفاء الود لمن يراه، على الرغم مما يثقل جفنيه من آثار السهر، وطول التأمل وإعمال الفكر، وكثرة التجوال بروحه وجسده بحثا عن حقائق الشريعة!!.. في ثياب خشنة نظيفة، متكئا على عصا غليظة، كأنه حاج ورع أو جواب آفاق..!

وفي الحق أن المصريين لم يخطئوا في إطلاق اسم قاضي الشريعة على الإمام الشافعي، فما كاد يطأ أرض مصر حتى بحث عن قبر الإمام الليث ابن سعد فوقف عليه مستعبرا.. ثم بحث عن آراء الليث وفقهه. فوجد المتعصبين من أعداء الليث وحساده، قد أخفوا كل كتبه تحت التراب أو أحرقوها..! وظل يبحث عن كتاب «مسائل الفقه» الذي كتبه الليث بيده، وكتاب التاريخ وكتابه في التفسير والحديث، وكتبه عن منابع النيل، وتاريخ مصر قبل الإسلام، بما حوت من أساطير وروايات تصور تاريخ الفكر المصري ومقومات شخصية أهل مصر.. فلم يعثر الشافعي على شيء من ذلك كله إلا بعض مسائل وآراء واجتهادات حفظها بعض تلاميذ الإمام الليث، وكان الشافعي قد لقي أحدهم في المدينة، وأحدهم في اليمن فتلقى عنهما بعض فقه الليث..

وأدرك المصريون أن هذا الإمام الجديد، سيحيي علم إمامهم الراحل الليث بن سعد الذي كادت آثاره أن تندثر ولما يمض على رحيله غير ثلاثة أو أربعة أعوام!!

وكان أكثر ما أعجب المصريين من إمامهم الليث حرصه على الشريعة، بحيث يتحرى في كل فتوى أن يقيس على نص قرآني، أو على سنة ثابتة، أو إجماع صحيح إن لم يجد ما يطلب في النصوص أو الإجماع، بحيث يسد الطريق على من يستنبطون الحكم بما يستحسنون أ بما يرونه محققا للمصلحة.. ويشرعون بهذا السلوك في الفتيا للولاة أو القضاة الظالمين أن يحكموا بالهوى..!!

هاهو ذا إذن إمام جديد يريد أن يحيي آثار الليث، وأن يلزم أصول الشريعة فيما يستنبط من أحكام، وهو يضيف الى فقه الليث اجتهاده الخاص، ويجادل عن الشريعة ويعلن للناس منذ اتخذ مجلسه للفتيا في جامع عمرو بالفسطاط أن القرآن فيه حكم كل شيء، وأن السنة تفصيل وبيان لما في القرآن بكل أوجه البيان، فعلى من أراد أن يكون عليما بالقرآن والسنة، وقضايا الصحابة وإجماعهم، فقيها باللغة العربية، وبأسرار البلاغة فيها، وبقواعد نحوها. ولن يبلغ هذا العلم حتى يكون قد حفظ الشعر الذي قاله العرب قبل الإسلام، وبالعربية التي كان يتحدث بها البدو وقت نزول القرآن.

فقد اعترف ابن عباس وهو عليم بالتفسير أنه لم يفهم قول الله تعالى: «فاطر السموات والأرض» حتى سمع بدوية تقول عن وليدها: «أنا فطرته»، تعني أنشأته وأوجدته.. فعلم أن كلمة فاطر بمعنى: منشئ أي خالق. فإذا اجتمع لرجل علم ذلك كله من قرآن وسنة وأقوال الصحابة، وفقه اللغة العربية حق له أن يجتهد!

والإجتهاد هو بذل الجهد، ففيه مشقة.. فإذا اجتهد العالم ليجد حكما أو ليصدر فتوى فليبحث أول الأمر في الكتاب والسنة، لأن الكتاب ـ وما السنة إلا بيان له ـ فيه كل الأوامر والنواهي، وما كان ربك ليترك الناس سدى بلا أمر ولا نهي.. فإن اجتهد العالم فهو عالم وفقيه.. فإن لم يجد الفقهي في الكتاب والسنة أو إجماع الصحابة حكما ينطبق على الأمر الذي يعرض له فعليه بالقياس.. لا قياس مع نص قياس إلا على نص.. ولا سبيل غير القياس إلى استنباط الأحكام التي تواجه الأمور المستحدثة التي لا نص على حكمها..

بهذا النظر جاء الإمام الشافعي الى مصر..

على أن الحياة في مصر طالعته بفقه جديد مما أثر على الليث ابن سعد... واجهته بكثير من الأمور المستحدثة التي لم يواجه مثلها من قبل..

وكان الشافعي حين قدم الى مصر وأقام بها حتى توفي فيها سنة 204 هـ، كان عالما ويحفظ القرآن والحديث ويعرف إجماع الصحابة ويتقن اللغة العربية وعلومها وآدابها.. كان كل أولئك، وكان بعد رجلا عرك الحياة وبلاها، وتجول في كثير من البلاد، واجتهد وأصبح صاحب مذهب، ونشأت له من خلال هذه التجارب كلها مودات وعداوات.. كثير الأسفار ينتقل هنا وهناك ليتعلم هو ويعلم الآخرين..

عرف الحياة منذ ولد جهادا متصلا في سبيل العيش وفي سبيل العلم..

ومن الحق أنه قدم مصر وله مذهب في الفقه ولكنه لم يكد يقيم في مصر، حتى غير كثيرا من آرائه، وأعاد كتابة كتبه.

فقد عرف في مصر ما لم يكن قد عرفه من قبل.. صحت عنده أحاديث كثيرة سمعها لأول مرة في مصر، نقلا عن الإمام الليث.

وبهره ما استطاع أن يصل اليه وأن يتعلمه من فقه الليث وآرائه وفتاواه.

وعرف آراء جديدة للإمام علي بن أبي طالب لم يتح له الإطلاع عليها من قبل...

ثم أنه عرف حضارة وتقاليد وأعرافا كلها جديدة عليه، ليس كمثلها شيء مما رأى في مكة أو المدينة أو اليمن أو سوريا أو العراق..

عاين انطلاقا في الفكر مع التمسك بروح الشريعة، تحررا في الرأي مع التزام مقاصد الشارع، ورأى أن مالكا بن أنس يخالفه بعض الفقهاء في مصر متأثرين بإمامهم الليث بن سعد، وما كان يعرف أن الإمام مالكا ابن أنس يخالفه أحد من قبل إلا في ست عشرة مسألة. خالفه فيها أهل الرأي بالعراق..

وناظر بعض تلاميذ الليث في خلاف إمامهم مع أستاذه مالك وأقنعه رأي الليث، وهاله ما رأى وسمع من تعصب بعض أتباع مالك في مصر وما يليها من المغرب كله والأندلس للإمام مالك، حتى لقد كان الناس في المغرب والأندلس يتبركون بملابس للإمام مالك أخذها منه أحد تلاميذه، فكانوا إذا دهمهم الجفاف وتأخر المطر، وصلوا صلاة الإستسقاء اتجهوا الى قلنسوة للإمام مالك يستسقون بها..!

ورأى الشافعي في مصر أتباع الإمام الليث يسخرون بهذا كله، ويتهمون صانعيه بإحياء الوثنية، وبالشرك بالله تعالى..

وسمع سخرية أتباع الإمام الليث من أتباع الإمام مالك حين يتناظرن.. إذ يروي أتباع الإمام الليث الحديث الشريف عن سنده الى أن يقولون قال رسل الله(صلى الله عليه)، فيرد أتباع الإمام مالك «قال أستاذنا وشيخنا الإمام مالك».. فيقول أتباع مالك: «نقول لكم قال الرسول عليه الصلاة والسلام فتقولون بإزائه قال الإمام مالك؟ أجعلتموه في مقام الرسول المصطفى (صلى الله عليه)؟.. لو كان الإمام مالك رضي الله عنه حيا لأفتى بأنكم ارتددتم عن الإسلام».

كان المصريون يجلون الإمام مالكا بن أنس، على الرغم من أنهم يأخذون بآراء إمامهم الليث بن سعد في خلافه مع الإمام مالك.. ولكنهم كانوا يضيقون بتعصب بعض أتباعه، ويعتبرون تعصبهم وشططهم خروجا على منهج الإمام مالك، وإساءة لذكراه، وهو الذي عاش يحمل في كل سيرته تقاليد السماحة الإسلامية وتراث الحكمة والموعظة الحسنة..

رأى الشافعي عناصر جديدة من الرأي والفكر والحضارة في مصر، واطلع على ما أنتجته المدرسة المصرية في الفقه بزعامة الإمام الليث سيد الفقهاء، فبدأ يعيد النظر في كثير من آرائه.. بصفة خاصة تلك التي اتبع فيها أستاذه مالك.. أو التي تأثر فيها فقه أهل المدينة وإمامهم مالك.. فألف كتابا فيما اختلف فيه مع مالك.. ولكنه استحيا أن يصدره. وما زال قريب العهد من الجلوس الى مالك مجلس التلميذ.. وأبقى الكتاب ينظر فيه يعدل عاما بأسره ثم أصدره. وعندما عوتب في ذلك قال: «إن أرسطو تعلم الحكمة من أفلاطون ثم خالفه قائلا إن أفلاطون صديقي والحق صديق فإذا تنازعنا فالحق أولى بالصداقة.

بهر الشافعي إذن بما شاهد في مصر من مظاهر الحضارة والتقدم والتزاوج الفكري بين الإسلام معطيات الحضارات التي تشكل الوجدان المصري: الحضارات القبطية والمصرية القديمة واليونانية. وهو ما لم يعرفه من قبل.. ثم الفهم العميق لروح الشريعة الإسلامية، وتطويع الأحكام لكل مقتضيات الحاجة الإنسانية المشروعة، مما يقيم المجتمع الفاضل الذي هو هدف الشريعة ومقصدها الأسمى..

حتى إذا انتهى الإمام الشافعي من إعادة صياغة كتبه تصحيح آرائه على أساس العنصر الجديد الذي تدخل في صياغة وجدانه عقله. أعلن للناس أن آرائه ليست إلا التي كتبها في مصر. أما كتبه السابقة فلا يحق لأحد أن ينسبها إليه.. وكتب بذلك إلى أقرب أصحابه وتلاميذه إليه أحمد بن حنبل فكان الإمام أحمد يقول: «خذوا عن أستاذنا الشافعي ما كتبه في مصر».

ولكن الشافعي لم يصل الى ما وصل اليه إلا بعد مشقات جسام عبر رحلة عمر كابد فيها الاهوال، حتى لقد رأى الموت رأي العين ذات مرة.

وقضى عمره كله في العيش الضنك على الرغم من ارتفاع همته ولقد عبر عن ذلك بقوله:

ذو همة يبلى بعيش ضيق
وأحق خلق الله بالهم امرؤ


ولد الشافعي سنة 150 هـ في غزة وهي السنة التي توفي فيها أبو حنيفة إمام أهل الرأي في العراق وفي هذا تمازح أحد الفقهاء من المذهب الحنفي وفقيه من المذهب الشافعي، قال الحنفي: «إمامكم كان مخفيا حتى ذهب إمامنا» فقال صاحبه: «نحن الشافعية نقول لما ظهر إمامنا هرب إمامكم».

ولد في عصر كثر فيه الجدل بين أهل الحديث وأهل الرأي. وتعصب كل فريق ضد الآخر، فكان من أهل الحديث من يرفض الرأي إطلاقا، ومن أهل الرأي من لا يتقن حفظ عدد صالح من الأحاديث..

وهو عصر ميز بين العالم والفقيه، أبين العلم والفقه: فالعلم هو حفظ القرآن والأحاديث وآثار الصحابة.. أما الفقه فهو إعمال الفكر والإجتهاد والتأمل شحذ العقل لاستنباط حكم شرعي فيما لا نص فيه.. وقد يجمع الرجل الواحد بين العلم الفقه وهؤلاء هم الأئمة العظام والفقه.

وقد روي عن أحد التابعين قوله: «ما رأيت أفقه من ابن عمر، ولا أعلم من أبن عباس».

وكان أهل الحديث يقفون عند النصوص لا يعدونها فإن لم يجدوا حكما فيها، لا يفتون.

وأما أهل الرأي فقد نظروا في عطل الاحكام، واستنبطوا من النصوص احكاما لما لم يرد نص على حكمه، اعمالا للعقل، والحاقا للامور بأشباهها ونظائرها اذا توفرت علة الحكم.

وقد بلغ من وقوف بعض اهل الحديث عند ظاهر النص حدا اثار بهم سخرية أهل الرأي، وبلغ من انطلاق اهل الرأي في استنباط الاحكام حدا جعل أهل الحديث يتهمونهم!!

وقد سأل احد اهل الرأي واحدا من اهل الحديث في أمر طفل وطفلة رضعا معا من ضرع شاة ثم كبرا، أيجوز لهما الزواج.

فقال صاحب الحديث: تثبت بينهما حرمة الرضا. فسأله صاحب الرأي: بأي نص. فقال صاحب الحديث بقوله «ص»: كل صبيين اجتمعا على ثدي واحد حرم احدهما على الآخر. فقال صاحب الرأي ضاحكا: قال الرسول «ص»: اجتمعا على ثدي واحد لا على ضرع واحد. انما يثبت الحديث بين الآدميين لا بين شاة وآدمي. فلو أنك أعملت العقل والرأي ما أخطأت. وما سويت بين المرأة والنعجة!

وكان أصحاب الرأي يتهمون اصحاب الحديث «بالعجز عن النظر، وبأنه كلما أورد عليهما احد من اصحاب الرأي سؤالا أو اشكالا بقوا متحيرين» ومن اجل ذلك فهم ليسوا أنصارا للسنة، بل أن اهل الرأي اكثر انتصارا للسنة واتباعا لها من هؤلاء الذين يزعمون أنهم أهل السنة!

أما اهل الحديث فاتهموا أهل الرأي بأنهم يأخذون بالظن ..

على ان مالكا بن أنس امام اهل الحديث لم يكن يرى هذا الرأي في الامام أبي حنيفة امام اهل الرأي فقد قال فيه: اجتمعت مع أبي حنيفة وجلسنا اوقاتا وكلمته في مسائل كثير ة فما رأيت رجلا افقه منه ولا أغوص منه على معنى وحجة».

ولكن اتباع الامامين كان فيهم من يتعصب لشيخه، ومن هؤلاء الاتباع من كان يشغب على الآخر.. حتى لقد عيروا أبا حنيفة ببعض حيله، وان كان مالك ليضحك كلما ذكرها ذلك ان الموالي ـ وهم المسلمون من أهل البلاد المفتوحة ـ قدموا الكوفة وكان لرجل منهم امرأة فائقة الجمال، فتعلق بها رجل كوفي، وادعى انها زوجته. وادعت المرأة ايضا ذلك .. وعجز المولى زوج المرأة عن البينة فعرضت القضية على أبي حنيفة .. وكان من رأي اهل الحديث أن المرأة للكوفي ولكن ابا حنيفة لم يطمئن الى الاخذ بها الظاهر كما صنع أهل الحديث.

ورأى ان يحقق الامر بنفسه .. وشك في ادعاء الزوجة والكوفي، فأخذ جماعة من الناس ومعهم بعض اهل الحديث وذهبوا الى حيث كان ينزل الموالي فنبحت كلابهم وهمت ان تهاجم كما تفعل مع الغرباء .. ثم عاد ابو حنيفة واخذ الزوجة ومعها شهود من اهل الحديث وأمر الزوجة ان تدخل وحدها الى منازل الموالي .. فلما قربت بصبص الكلاب حولها كما تفعل بأصحابها فقال أبو حنيفة : «ظهر الحق» فانقادت المرأة للحق واعترفت أنها كذبت .. وعادت الى زوجها . وسخر أهل الرأي من اهل الحديث في هذه القضية ...

على هذا النحو كان الخلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي .. حتى ان الشافعي عندما بدأ يطلب العلم في مجالس اهل الحديث جلس بعد الدرس في بيت صاحب له يتناشدان الشعر فأتى الشافعي على شعر الهذليين وقال لصاحبه: «لا تعلم بهذا أحدا من اهل الحديث فانهم لا يحتملون هذا » ذلك أن أهل الحديث كان فيهم من يغلو فيرى في حفظ الشعر ودراسة الادب علما غير نافع .. فالعلم النافع عند هذا النفر هو القرآن والحديث وآثار الصحابة فحسب ..

اخذ الشافعي يناطح هذا كله .. ويقاوم التعصب للحديث وللرأي جميعا .. ليكون هدف المناظرة هو الوصول الى حقائق الشريعة، لا غلبة المتناظر على خصمه ..

ولكنه على الرغم من ذلك انحاز الى اهل الحديث أول الامر، وخاصم فيهم أهل الرأي، حتى اذا استقل به المقام في مصر تلك السنوات الاخيرة من حياته القصيرة (150 - 204) تعلم أن الامام الليث كان قد اهتدى الى مذهب وسط بين أهل الحديث وأهل الرأي، معتمدا على استيعاب يقظ لروح الشريعة ومقاصدها، فأعجب بأصول مذهب الليث وفروعه وزاد عليه واضاف ونقح في خمس سنوات عاشها في مصر كل ما كان قد كتبه طيلة حياته من قبل. وعرف ما كتبه في مصر باسم «المذهب الجديد».

والشافعي هو محمد بن ادريس بن العباس بن شافع «وقد نسب الى هذا الجد» بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف ..

والمطلب هو شقيق هاشم بن عبدمناف .. وهاشم هو ابو عبدالمطلب جد النبي «ص» وكان هاشم يقود رحلة الشتاء الى الشام بقافلة قريش في الجاهلية ومات ودفن بغزة.

اما والدة الشافعي فهي حفيدة اخت السيدة فاطمة ام الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

وكان الشافعي يقول «علي بن أبي طالب ابن عمي وابن خالتي».

فهو قرشي الام والام وكان أبوه فقيرا خرج من مكة يلتمس سعة العيش في المدينة. ولكنه لم يجد ما يريد فخرج بأهله الى غزة ومات بها بعد مولد ابن محمد بنحو عامين.

ولم تطق الام المقام في غزة بعد وفاة زوجها فحملت وليدها محمدا الى عسقلان وهو ابن عامين، وكان يرابط بها جيش من المسلمين، و كانت عسقلان تسمى اذ ذاك «عروس الشام» وخيرها دافق والعيش بها رائق.

غير أن العيش لم يرق للارملة الصغيرة في عسقلان، فحملت ابنها محمدا الى مكة موطنها وموطن ابائه واجداده، لعيش في قومه قريش، ولينال نصيبه من المال وهو سهم ذوي القربى ولكن حظه من هذا المال كان ضئيلا لم يسمح له ولأمه الا بحياة خشنة، عرف خلالها الحرمان منذ نعومة اظفاره.

وعندما شب الطفل الحقته امه بمكتب في مكة. ولكنها لم تجد أجر المعلم .. «فكان المعلم يقصر في تعليم الصبي الا ان المعلم كلما علما صبيا شيئا كان الشافعي يتلقف ذلك الكلام. ثم اذا قام المعلم من مكانه أخذ الشافعي يعلم الصبيان تلك الاشياء فنظر المعلم فرأى الشافعي يكفيه من أمر الصبيان أكثر من الاجرة التي يطمع بها منه فترك طلب الاجرة واستمرت هذه الاحوال حتى تعلم الشافعي القرآن كله وهو ابن سبع سنوات».

ثم وجهته امه الى اتقان تلاوة القرآن وتجويده وتفسيره على شيوخ التفسير والترتيل والتجويد في المسجد الحرام .. حتى اذا بلغ الثالثة عشرة كان قد أتقن القرآن حفظا وترتيلا وادراكا لما يقرأ بقدر ما يتيحه عمره.

وكان عذب الصوت .. في ترتيله خشوع وايقاع حزين تخالجه الرهبة من خشية الله .. فكان حين يقرأ القرآن في المسجد الحرام يتساقط الناس بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا رأى ذلك امسك.

بعد ذلك اتجه الى حفظ الحديث ولزم حلقات شيوخ التفسير وأهل الحديث وكان الورق غالي الثمن فكان يلتقط العظام العريضة فيكتب عليها أو يذهب الى الديوان فيجمع الاوراق المهملة التي القي بها فيكتب على ظهرها ..

كان يجد مشقة في الحصول على ورق الكتابة، فاعتمد على الحفظ وهكذا تكونت له حافظة قوية .. حتى لقد كان يحفظ كل ما يلقى عليه.

لاحظ أثناء اقامته في مكة أن لغة قريش قد دخلها الغريب من كلمات وتعبيرات المسلمين الجدد من الموالي غير العرب . فلم يعد لسانها هو اللسان العربي المبين...!

ثم انه في تأمله للقرآن والاحاديث شعر بأنه في حاجة الى زاد لغوي كبير والى تفهم أعمق لمعاني الكلمات واسرار التراكيب .. وكان يشهد دروس الليث بن سعد امام مصر وهو حينذاك فقيه كبير يتحلق حوله الطلاب في المسجد الحرام كلما جاء حاجا او معتمرا ..

في احدى حلقات الليث الى جوار مقام ابراهيم نصح مستمعيه أن يتقنوا اللغة واسرار بلاغتها وفنون آدابها .. وان يحفظوا الشعر الذي سبق نزول القرآن الكريم وعاصره ليحسنوا فهم معاني الكتاب المنزل والاحاديث ..

ولكن نصح الامام الليث مستمعيه ان يخرجوا الى البادية فيتعلموا كلام «هذيل» ويحفظوا شعرهم .. فهذيل هم افصح العرب وشعر الهذليين عامر بكنوز اللغة.

ولقد حفظ الليث نفسه اشعار الهذليين .. واستشهد بها في تفسير بعض كلمات القرآن. كما فعل ابن عباس من قبل وهو شيخ المفسرين.

وخرج افتى محمد بن ادريس الشافعي الى بادية قريبة من مكة وعاش في مضارب خيامهم يحفظ عنهم اشعارهم وتراكيبهم اللغوية يرحل برحيلهم وينزل بنزولهم ويتعلم منهم.

ثم رجع الى مكة ينشد اشعارهم ويذكر عنهم الاخبار .. كما قال هو نفسه حتى ان الاصمعي وهو شيخ اللغويين قال وهو في اوجه شهرته:

«صححت اشعار الهذليين على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس ...».

لزم الشافعي هذيلا نحو عشر سنين، عكف فيها على دراسة اللغة وآدابها . وحفظ الشعر وتعلم منهم الرماية والفروسية وبرع فيهما، حتى لقد كان يأخذ بأذن الفرس وهو يجرى فيثب عليه في براعة وتمكن!

واتقن الرمي حتى قال عندما تقدم به العمر : «كانت همتي في شيئين: في الرمي والعلم فصرت في الرمي بحيث اصيب عشرة من عشرة ـ ثم سكت عن العلم، فقال احد الحاضرين: أنت والله في العمل أكثر منك في الرمي».

عاد من البادية اذن فارسا متفوقا في البداية في الرماية، ، ناصع البيان، في صدره الى جوار القرآن والحديث، ثروة ضخمة من الشعر والآداب والاخبار والفقه واللغة.

وعاد يجلس الى حلقات شيوخه في المسجد الحرام.

جلس الى اهل الحديث والمفسرين من اتباع ابن عباس .. والى العلماء والفقهاء من اتباع الامام جعفر الصادق .. وكانوا جميعا ينهلون من علم الامام علي بن أبي طالب.

وعلى الرغم من أنه قد جاوز العشرين، وأصبح يملك القدرة على اختيار شيوخه في المسجد الحرام فقد تعود ان يسأل أمه النصيحة فتشير عليه بأسماء الشيوخ الذين ينبغي له ان يلزمهم .. وكانت امه حافظة للقرآن والحديث بصيرة بأحكام الشريعة. ولقد ردت قاضي مكة حين استدعاها للشهادة هي وامرأة اخرى وأراد ان يفرق بينهما، فطلبت ان تشهد الواحدة امام الاخرى. وذكرت بالآية الكريمة: (أن تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى).

وكان الشافعي بارا بوالدته .. مستمعا لنصائحها وقد وجهته الى فقه الامام علي بن أبي طالب، ونصحته ان يلتمسه من تلاميذ ابن عباس وتلاميذ الامام جعفر الصادق، وكان مقاتل بن سليمان هو أعلاهم شأنا وابصرهم بالقرآن وتفسيره وبالحديث والفقه ..

وقد توقف الشافعي وهو ينظر في تفسير القرآن عند آية (وقد خاب من دساها)..

ولم يعرف معنى كلمة دساها، فلم تكن قد عرضت له من قبل. ولم يجد الكلمة فيما تعلم من لغة العرب. وخرج الى ظاهر مكة يسأل فيها بطنا من هذيل، وهم افصح العرب فلم يجد عندهم جوابا وطاف على شيوخ الحلقات من أهل الاثر ومفسري القرآن، فلم يظفر بجواب شاف .. وهمه الامر وغمه، فلاذ بأمه يسألها النصيحة فوجهته الى مقاتل بن سليمان تلميذ الامام الصادق . وذهب الشافعي الى حلقة مقاتل بن سليمان فقال له مقاتل: دساها من لغة السودان «ومعناها أغواها»...

اكتمل للشافعي علم حسن بالقرآن والحديث وآثار الصحابة، وثراء لغوي يفتح مغاليق المعاني، وذوق أدبي يتيح له أن يدرك لطائف البلاغة واسرار البيان.

وقال له أحد شيوخه: «آن لك أن تفتي».

ولكن الشافعي تهيب الفتيا، فما كان إلا شابا صغيرا في سن أبناء المفتين من أصحاب الحلقات في المسجد الحرام... وهو بعد لم يحصل على كل ما يريد من فقه المدينة، حيث يشع علم الإمام مالك، ولا من فقه العراق حيث ما زال صدى جليل من آراء الإمام الراحل أبي حنيفة يدي في جنبات المسجد الكبير بالكوفة، وحلقات بغداد، وحيث ما زال تلاميذه أب يوسف ومحمد ابن الحسن وغيرهما يجادلون عن إمامهم ويضيفون الى تراثه الجدلي.

ثم إن الفتى لم يعرف كما ينبغي فقه الأوزاعي بالشام، ولا فقه الليث بمصر.. هذا الفقه الذي اتسم بالتوفيق بين أهل الرأي وأهل الحديث، والذي يحترم الحزبين جميعا، يتميز بعمق الإدراك لروح الشريعة ومقاصد الشارع، ويواجه في يسر معجز كل ما يطرحه العصر من مسائل وقضايا.

وقرر أن يرحل في طلب الفقه من كل مدارسه، كما رحل من قبل يلتمس الفصحى من خير منابعها.

وأستأذن أمه أن يرحل الى المدينة المنورة ليدرس على الإمام مالك فأذنت له..

كان الفتى إذ ذاك في نحو العشرين، خلبه مالك حين جاء الى المسجد الحرام فألقى بعض الدروس، وأخذته هيبة مالك وحسن معرفته بالحديث.

وعرف عن مالك أنه على الرغم من سماحته، صارم في عمله، لا يبيح وقته للناس، ولا يستقبل من يطرق باب داره خلال ساعات العمل أو الراحة..

ولكن الشافعي لا يريد أن يكتفي بحضور دروس مالك في المسجد النبوي، وهي مباحة للعامة، بل يريد أن يلزمه ليتلقى منه علمه، وليتاح له أن يسأله ويحاوره...

ومالك لا يأذن بالحوار في دروسه ويطرد من حلقته كل من خالف تقاليد الدرس..!!

ما السبيل إلى الإمام مالك إذن!؟

قرر الشافعي أن يحسن إعداد نفسه للقاء الإمام مالك... فبحث عن كتابه «الموطأ» الذي أخرجه مالك منذ حين واضعا فيه كل فقهه وكل ما صح عنده من الأحاديث النبوية الشريفة.

ووجد الشافع نسخا من الكتاب لكنها غالية الثمن، وهو رقيق الحال.. فاستعار الكتاب من أحد شيوخه في مكة عكف عليه النهار والليل، حتى حفظ الكتاب بحافظته المدربة التي تعود الاعتماد عليها منذ كان لا يجد ثمن الورق، ومنذ كان يدرس بالمكتب وهو صبي.

وزاده حفظ كتاب «الموطأ» شوقا الى لقاء الإمام مالك والى صحبته..!

وجهزته أمه للسفر الى المدينة وباعت في ذلك بعض أثاث الدار..

إنها لهجرة في سبيل العلم فهي في سبيل الله.

ورأت أمه أن تسهل له لقاء مالك، فوسطت بعض أقاربها الى والي مكة، ليعطي ولدها كتابا الى والي المدينة، عسى أن يتوسط للشافعي فيلقى مالكا ويلزمه.

ويحكي الشافعي عن هذه التجربة بعد أن أخذ كتاب توصية من والي مكة الى والي المدينة والى الإمام مالك.

قال الشافعي: «فقدمت المدينة، فأبلغت الكتاب الى الوالي فلما قرأه قال: يا فتى إن مشيي من جوف مكة الى جوف المدينة حافيا راجلا أهون علي من المشي الى باب مالك بن أنس. فلست أرى الذل حتى أقف على بابه. فقلت: أصلح الله الأمير. إن رأى الأمير يوجه اليه ليحضر. فقال: هيهات ليت أني لو ركبت أنا ومن معي، وأصابنا من تراب العقيق نلنا بعض حاجتنا..! فواعدته العصر، وركبنا جميعا فوالله لكان كما قال. لقد أصابنا من تراب العقيق، (والعقيق حي بالمدينة يسكنه مالك) فتقدم رجل منا فقرع الباب فخرجت إلينا جارية سوداء فقال لها الأمير: قولي لمولاك إني بالباب، فدخلت فأبطأت. ثم خرجت فقالت: إن مولاي يقرئك السلام ويقول إن كانت لديك مسألة فارفعها في رقعة يخرج اليك الجواب. وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس فانصرف. فقال لها: قولي له إن معي كتاب والي مكة اليه في حاجة مهمة. فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي، فوضعته ثم إذا بمالك قد خرج، عليه المهابة والوقار وهو شيخ طويل مسنون اللحية، فجلس وهو متطلس (يلبس الطليسان) فرفع إليه الوالي الكتاب. فبلغ الى هذا «إن هذا رجل يهمني أمره وحاله فتحدثه وتفعل وتصنع» فرمى الكتاب من يده ثم قال: سبحان الله، أو صار علم رسول الله(صلى الله عليه) يؤخذ بالرسائل؟! فرأيت الوالي قد تهيب أن يكلمه. فتقدمت وقلت: أصلحك الله، إني رجل مطلبي (من بني المطلب) وحدثته عن حالي وقصتي... فلما سمع كلامي نظر إلي، وكان لمالك فراسة فقال: ما اسمك: قلت محمد. فقال: «يا محمد إنه سيكون لك شأن وأي شأن. إن الله تعالى قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية. إذا ما جاء الغد تجيء ويجيء ما يقرأ لك». فغدوت عليه ومعي (الموطأ) وابتدأت أن أقرأ ظاهرا (من الحافظة) والكتاب في يدي. فكلما تهيبت مالكا وأردت أن أقطع، أعجبه حسن قراءتي وإعرابي فيقل: «يا فتى زد»، حتى قرأته عليه في أيام يسيرة.»

ومنذ ذلك اللقاء عام 170 هـ لزم الشافعي مالكا حتى مات الإمام مالك عام 179هـ.

لم يتركه الشافعي إلا ليزور أمه بمكة، أو ليقوم برحلة الى إحدى عواصم العلم والفقه.. وكان يستأذن شيخه مالكا بن أنس فإذا أذن له جهزه بزاد ومال ودعا الله له.

وفي المدينة التقى الشافعي بمحمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وشيخ أهل الرأي في العراق، والتقى ببعض تلاميذ جعفر الصادق، وتعلم منهم بعض فقه الإمام الصادق وأقضية الإمام علي كرم الله وجهه.. وتعلم من مذهب الإمام الصادق أن العقل هو أقوى أدوات الإستنباط حين لا يكون نص. العقل وحده هو أداة فهم النصوص لا الإتباع ولا التقليد!

وتعلم من تلاميذ الإمام الصادق رأي الإمام في حقيقة العلم.. فالعلم ليس حفظ القرآن والحديث ومعرفة الآثار فحسب، ولكنه يشمل كل العلوم الطبيعية والرياضية التي تفسر ظواهر الكون وتكشف عن قدرة الخالق.

وهكذا قرر أن يتعلم تلك العلم الطبيعية والرياضية، فتعلم من خلال رحلاته علوم الكيمياء والطب والفيزياء. وتعلم الحساب والعلوم التي تجري عليها التجارة وعلم الفلك والتنجيم وهو فرع من العلوم الرياضية. وتعلم الفراسة، ومارسها.

وقد تعرف الى عدد من فقهاء مصر من تلاميذ الليث، وكان من عادتهم بعد الحج أن يزروا المدينة ليصلوا في الحرم النبي وليسمعوا لمالك. وقد أملى الشافعي «الموطأ» على بعضهم ونشأت بينه وبينهم صداقة انتفع بها عندما هاجر الى مصر ومنهم ابن عبد الحكم.

ولقد رأى يوما في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر فتى جميل الوجه نظيف الثياب حسن الصلاة، فتوسم فيه خيرا، وحدثه فعرف أنه من الكوفة بالعراق فسأله: «من العالم لها والمتكلم في نص كتاب الله عز وجل، والمفتي بأخبار رسول الله(صلى الله عليه)» فقال: «محمد بن الحسن وابو يوسف صاحبا أبي حنيفة»: فقال الشافعي: «ومتى عزمتم تظعنون؟» فقال الشاب: «غداة عند انفجار الفجر».

وذهب الشافعي الى شيخه ليستأذنه أن يرحل في طلب العلم، فقال له شيخه مالك: «العلم فائدة يرجع منها الى عائدة. ألم تعلم بأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب؟».

فلما كان السحر وانفجر الفجر، سار مالك مودعا تلميذه الشافعي عند محطة القوافل بالبقيع خارج المدينة.

وصاح مالك يسأل عمن يؤجر راحلة الى الكوفة، فقال له تلميذه الشافعي: «لم تكتري لي راحلة ولا شيء معك ولا شيء معي؟» فقال مالك له: «لما انصرفت عني البارحة بعد صلاة العشاء الآخرة، قرع علي قارع الباب، فخرجت اليه، فسألني قبول هدية فقبلتها فدفع إلي صرة فيها مائة مثقال وقد أتيتك بنصفها وجعلت النصف لعيالي». وكان الطارق هو أحد تلاميذ الإمام الليث، حمله الليث هذه الهدية لصديقه الإمام مالك وكان الليث قد تعود أن يصل مالكا بالهدايا الثمينة والمال الكثير.

خرج الشافعي من المدينة ه شاب في الثانية العشرين، فوصل الكوفة بعد رحلة شاقة استغرقت أربعة وعشرون يوما، فاستضافه محمد ابن الحسن، وتحاورا في الفقه، وحضر حلقاته وحلقات زميله أبي يوسف.

وكتب الشافعي كل ما وجد عند صاحبي أبي حنيفة من فقه الإمام الأعظم، وعندما ترك الكوفة كان معه من الكتب حمل بعير.

ثم طاف في بلاد فارس، والتقى بشيوخها وجرت بينه وبينهم محاورات، ثم سافر الى ديار ربيعة مضر، وألم ببعض قبائل البدو، فاصاب ما عندهم من الفصحى.. وطاف في هذه الرحلة ببغداد وشمال العراق والأناضول وحران ثم سافر الى بلاد الشام وزار أمه بمكة..

وعاد بعد عامين الى المدينة وقد تزود بكثير من المعارف وكان يسأل طوال الرحلة عن أخبار شيخه مالك، فعرف أنه قد اتسعت أرزاقه وأصاب الغنى، فقد أجرى عليه الخليفة راتبا كبيرا، ووصله بالأموال والهدايا الثمينة..

وقصد الشافعي الحرم النبوي، وبينما هو يتهيأ للجلوس في المسجد في حلقة الإمام مالك، إذ فاح عطر في المسجد فتهامس من في المسجد إنه مالك.. ورأى مالكا يدخل المسجد وحوله جماعة يحملون ذيله حتى جلس على كرسيه الذي أعد له من قبل وعليه حشية ومن حوله الدفاتر. وبدأ مالك درسه فطرح مسألة على تلاميذه لفلم يجبه أحد. وظل يطرح مسائل وما من مجيب.!

فضاق صدر الشافعي، فنظر الى رجل بجانبه، وهمس إليه بالجاب.. واستمر مالك يسأل والرجل يجيب بما يهمس إليه الشافعي، فسأل مالك: من أين لك هذا العلم؟ فقال الرجل: «إن بجانبي شابا يقول لي الجواب». فاستدعى مالك ذلك الشاب فإذا هو الشافعي.. ولم يكن مالك قد استطاع أن يراه في زحام الحلقة، فرحب به مالك، وضمه الى صدره، ونزل عن كرسيه وقال له: «أتمم أنت هذا الباب».

رضي مالك عن شرح تلميذه الشافعي، وما انتهى الدرس، حتى أخذه الى بيته وأغدق عليه.

وحكى الشافعي لأستاذه عن كل ما تعلمه ولقيه في رحلته من طرائف.

حكى له عن تجربته مع علم الفراسة، وكان مالك ينصح تلميذه ألا ينصرف الى غير علوم الشريعة، وما يعين على الفقه بها وفهم النصوص استنباط الأحكام، والإهتمام باللغة وآدابها، وحفظ أخبار العرب وأيامهم، وحفظ الشعر الجاهلي، لأن كل أولك أدوات لفهم نصوص القرآن والأحاديث.. أما الفراسة ففي نفس مالك شيء منها..!

حكى الشافعي لشيخه مروحا عنه بعض ما صادفه مع علم الفراسة.. فقد مر في رحلته برجل يقف في فناء بيته، وهو رجل أزرق العينين بارز الجبين، وتأمل الشافعي ملامحه، وقال لنفسه: «إن علم الفراسة يدل على أن هذا الرجل لئيم خبيث». وكان الشافعي مجهدا يلتمس مكانا يستريح فيه. قال الشافعي: «سألت الرجل:هل من منزل؟» قال: «نعم». وأنزلني فما رأيت أكرم منه! وبعث إلي بعشاء طيب، وعلف لدابتي، وفراش ولحاف. فقلت : «أعلم الفراسة دل على غاية دناءة هذا الرجل وأنا لم أشاهد منه إلا خيرا. فهذا العلم باطل! ولما أصبحت قلت للغلام: أسرج الدابة، فلما أردت الخروج قلت للرجل: إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى فاسأل عن منزل محمد ابن إدريس: فقال الرجل: أعبد أبيك أنا؟! أين ثمن الذي تكلفت لك البارحة؟! قلت: وما هو؟ قال: اشتريك له بدرهمين طعاما، وأدما بكذا وعطرا بكذا، وعلف دابتك بكذا، واللحاف بكذا.. قلت: يا غلام أعطه فهل بقي شيء؟ قال كراء المنزل فإني وسعت عليك وضيقت على نفسي.

فضحك مالك.. وأكمل الشافعي: فعظم اعتقادي في علم الفراسة.. ولم يجبه مالك بغير الضحكات.. وقلما كان يضحك!

***

عاد الشافعي من هذه الرحلة باحترام كبير للإمام أبي حنيفة النعمان فقد قرأه على صاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وأعجب بطريقته في الحوار والإستنباط، وبسعة أفقه، وروى عنه كثيرا من حيله، ودافع عنه.

وكانا في الحجاز يهاجمون أبا حنيفة ويتهمونه بأنه لا يحسن علم الحديث، فنافح عنه الشافعي ووضعه في مكانه، وعلمهم أن الناس «في الفقه عيال على أبي حنيفة»..

استقر الشافعي بالمدينة تلميذا للإمام مالك، ثم بدأت تستقيم له طريقة في الجدل، فهو يلقي بالحجة دون أن يرفع صوته، وقول لمجادله: «خذ مكاني وآخذ مكانك»... ويقول الرأي، والرأي المضاد، حتى ينتهي من هذا الأسلوب الجدلي الى الحقيقة.

وأخذ ينتصف لأهل الرأي من أهل الحديث، وينصف أهل الحديث من أهل الرأي، ويقاوم التعصب المذهبي..

عاش في ظل الإمام مالك ورعايته حتى مات الإمام مالك سنة 179هـ والشافعي في نحو التاسعة والعشرين.. وبكى الشافعي أستاذه الإمام مالك ابن أنس أحر بكاء وعكف على قراءة القرآن ملتمسا العزاء.. وشعر أنه أصبح غريبا في المدينة».

لم تطب له الحياة بعد بالمدينة بعد أن توفي شيخه..

وبدأ يبحث عن مكان يعمل فيه عملا يعيش منه.. وعاد الى أمه بمكة، مودعا المدينة من خلال الدمع.

وكان اولي اليمن قد أقبل الى الحجاز في ذلك الوقت، فتوسط بعض أقرباء الشافعي من القرشيين عند والي اليمن، فصحبه معه الى اليمن ووكل إليه عملا.

لم يكن عند أم الشافعي ما تساعد به ابنها ليتزود في سفره هذا، وليقيم في اليمن حتى يقبض راتبه، فرهنت دارا كانت لها بمكة، وسافرت معه.

ولقد غضب منه أحد شيوخه بمكة وعنفه لأنه يترك الفقه من أجل الوظيفة بقوله: «تجالسوننا وتسمعون منا، فإذا ظهر لأحدكم شيء دخل فيه؟».

وتولى الشافعي عملا مهما في نجران باليمن، وهناك عاود دراسة علوم الفراسة التي كانت مزدهرة باليمن، حتى تفوق فيها.

وجلس الى بعض شيوخ الشيعة باليمن فتلقى منهم، ولزم يحيى بن حسان تلميذ الليث بن سعد المصري وصاحبه، فأخذ عنه كل ما انتهى اليه من فقه الليث.

وقام الشافعي بعمله في نجران خير قيام، وأحبه الناس لعدله، لتمسكه بالشريعة، وإغلاقه باب المجاملة والملق.

ثم أنه وجد حاكم نجران يظلم الناس، فقاوم الحاكم ووقف في المسجد يحض الناس على مقاومته، وأخذ يضرب لهم الأمثال لما يجب أن تكون عليه سيرة الحاكم بالإمام علي بن أبي طالب وسيرته في الخلافة، فأثار عليه أعداء كثيرين من الذين رفض مجاملتهم.

ووشى حاكم نجران بالشافعي، درس عليه أنه أسس حزبا عليا يعد للثورة على الخليفة، يولي أحد أحفاد الإمام علي، بدلا من هارون الرشيد، وأنه يؤيد الحفيد في الثورة على الرشيد.

وكان العباسيون غلاظا على العلويين، يسفحون دماءهم بالظن. فقد كانوا يعرفون أن كثيرين يرون العلويين أحق منهم ومن الأمويين بالخلافة.

فزع الرشيد من قراءة كتاب والي نجران وخاصة من قوله عن الشافعي: «لا أمر لي معه ولا نهي، فهو يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه».

وفي الحق أن الشافعي ما كان يخفي حبه لعلي وللطالبيين، فقد قيل له يوما: خالفت عليا بن أبي طالب رضي الله عنه فيما قلت». فقال لمناظره «أثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدي في التراب وأقول قد أخطأت وأرجع عن قولي إلى قوله».

ووجد في اليمن كثيرا من الطالبيين، وحضر مجالس العلم معهم ولكنه كان يستمع ولا يتكلم فإذا سئل في ذلك قال: «لا أتكلم في مجلس يحضره أحدهم وهم أحق بالكلام مني ولهم الرياسة والفضل».

وهكذا شاع عنه حبه لبني علي، والطالبيين جميعا.

قيل له إنك لمتشيع تشايع عليا بن أبي طالب وتشايع بنيه من بعده ومنهم الثائر العلوي على الرشيد.. فقال: «يا قوم ألم يقل رسول الله(صلى الله عليه) لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين؟ قال عليه الصلاة السلام: إ، أوليائي من عترتي المتقون، فإذا كان واجبا علي أن أحب قرابتي ذوي رحمي إذا كانوا من المتقين، أليس من الدين أن أحب قرابة رسول الله (صلى الله عليه) إذا كانوا من المتقين؟».

وكتب والي نجران مرة أخرى الى هارون الرشيد أن الشافعي يؤلب عليه الأمة وأنه يقود تسعة من الثوار، يوالون الثائر العلوي الذي يطالب بالخلافة.

فأرسل الرشيد إلى والي نجران أن يرسل إليه الثوار مهانين في الأصفاد.

كانوا تسعة على رأسهم الشافعي، وضع الحديد في أرجلهم وأعناقهم تنفيذا لأمر الرشيد وسيقوا إليه مهانين...

كان الشافعي في الرابعة والثلاثين، فارسا، بطلا في رياضة الرمي، جلدا قوي البنيان، ولكنه جهد من الرحلة والإهانة.

وأدخلوهم على الرشيد والى جواره محمد بن الحسن فقاضي الدولة، الذي تلقى عنه الشافعي من قبل في الكوفة.

وكان الشافعي يدعو بهمهمة يسمعها الحاضرون: «الله لا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير».

أنكر التسعة تهمة الثورة على الرشيد، ولكنه أمر بقطع رؤوسهم جميعا وسأله التاسع أن يمهله حتى يكتب لأمه فليس لها غيره، وأقسم أنه بريء من الإعداد للثورة على الرشيد، وكلنه الرشيد أمر بقطع رأسه.

كل هذا والشافعي في الأصفاد: الأغلال في عنقه الحديد في قدميه، رأسه بالرغم من كل ذلك شامخ.

ويا لله كان مجهدا.

وهاهو ذا يرى الموت رأي العين، ولكنه على الرغم من كل شيء ثابت الجنان، عميق الإيمان لا يملك إلا أن يدعو الله بالنجاة...

وعندما انتهى الرشيد من قتل الرجل التاسع، قال الشافعي: «السلام عليك يا أمير المؤمنين وبركاته... ولم يقل ورحمة الله.

فقال الرشيد: «وعليك السلام رحمة الله وبركاته ـ بدأت بسنة لم تؤمر بإقامتها، ورددنا عليك فريضة قامت بذاتها، ومن العجب أن تتكلم في مجلسي بغير أمري».

قال الشافعي: «إن الله تعالى قال في كتابه العزيز: (وعد الله الذين آمنوا منكم عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي أرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) وهو الذي إذا وعد وفى، فقد مكنك في أرضه وأمنني بعد خفي حيث رددت علي السلام بقولك: وعليك رحمة الله. فقد شملتني رحمة الله بفضلك يا أمير المؤمنين».

فقال الرشيد: «وما عذرك من بعد أن ظهر أن صاحبك ـ يعني الثائر العلي ـ طغى علينا وبغى، واتبعه الأرذلون وكنت أنت الرئيس عليهم؟

فقال الشافعي: «أما وقد استنطقتني يا أمير المؤمنين فسأتكلم بالعدل والإنصاف. لكن الكلام مع ثقل الحديد صعب فإن جدت علي بفكه أفصحت عن نفسي. وإن كانت الأخرى فيدك العليا ويدي السفلى والله غني حميد».

فأمر الرشيد بفك الحديد عنه، وأجلسه.

وقال الشافعي: حاشا لله أن أكون ذلك الرجل، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا...) لقد أفك المبلغ فيما بلغك وإن لي حرمة الإسلام وذمة النسب وكفى بهما وسيلة.. وأنت أحق من أخذ بكتاب الله. أنت ابن عم رسل الله(صلى الله عليه) الذائد عن دينه المحامي عن ملته وأنا يا أمير المؤمنين لست بطالبي ولا علوي وإنما أدخلت في القوم بغيا علي. أنا رجل من بني المطلب بن عبد مناف.ع. أنا محمد بن إدريس بن عثمان بن شافع بن السائب..

فقاطعه الرشيد: «انت محمد بن إدريس»؟

فقال الشافعي: «ولي مع ذلك حظ مع العلم والفقه، والقاضي يعرف ذلك».

وكان محمد بن الحسن الذي استضاف الشافعي في الكوفة من قبل، قد أصبح قاضي الدولة، يجلس بجوار الرشيد. فقال له الرشيد: «ما ذكرك لي محمد بن الحسن» ثم التفت الى القاضي وسأله: يا محمد.. ما يقول هذا؟ أهو كما يقوله؟. فقال محمد بن الحسن: إن له من العلم شأنا كبيرا. وليس الذي رفع عليه من شأنه.

قال الرشيد: فخذه حتى أنظر في أمره.

وهكذا نجا الشافعي برأسه... وخرج الى بيت محمد بن الحسن ضيفا عليه..

وما زال محمد بن الحسن بالخليفة، حتى رضي عن الشافعي، واستدعاه ليمتحن علمه.

وعقد له مجلسا من أهل العلم والفقه الرياضيات والطبيعيات والكيمياء والطب.

قال الرشيد: «إنا نراعي حق قرابتك وعلمك فكيف علمك يا شافعي بكتاب الله عز وجل فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به؟».

فقال الشافعي: عن أي كتاب من كتب الله تسألني يا أمير المؤمنين فإن الله قد أنزل كتبا كثيرة؟.

فقال الرشيد: «أحسنت، لكن إنما أسألك عن كتاب الله تعالى المنزل على ابن عمي محمد رسول الله(صلى الله عليه).

قال الشافعي: «إن علم القرآن الكريم كثيرة فهل تسألني عن محكمه أو متشابهه أو عن تقديمه أ تأخيره أ» عن ناسخه أو منسوخه؟».

فأعجب الرشيد وأهل المجلس بجاب الشافعي.

ثم أخذ الرشيد يسأله عن سائر العلوم الطبيعية والرياضية من طب وكيمياء وفلك وتنجيم وفراسة..

فصفق الحاضرون إعجابا بحسن إجاباته، وأجازه الرشيد بخمسين ألف دينار، فقبلها الشافعي شاكرا، وخرج الى دار مضيفه، فلحق به أحد كبار رجال الدولة فقدم إليه صرة كبيرة بها دنانير ذهبية، فردها الشافعي قائلا: «لا أقبل عطاء ممن هو دوني، إنما أقبل العطاء من الخليفة وحده».

عاد الشافعي الى دار مضيفه محمد بن الحسن، يتأمل كل الذي دار بينه وبين الخليفة.

تعلم الشافعي من المحنة ألا يزج بنفسه في صراع سياسي.

وحاول محمد بن الحسن أن يجذبه ليكون في صف بني العباس، بدلا من بني علي، ولكنه آثر العافية. أقسم ألا يخوض غمرات الصراع السياسي، وألا يقبل منصبا في الدولة، فلن يهب نفسه لشيء بعد أعظم من العلم والفقه.. وأعترف أنه أخطأ حين قبل المنصب في اليمن، فزج بنفسه فيما ليس من شأنه.

وعكف على دراسة الطب والعلوم الطبيعية والرياضية يستكمل ما فاته منها، واهتم بالرياضة البدنية، وعاد يتدرب على الرمي وركوب الخيل، وقسم وقته بين هذا كله وبين دراساته الفقهية ودراسة ما ترجم من ثقافات المصريين القدماء القبط واليونان والفرس والهند.

واتخذ لنفسه دارا، وبدأ يدرس فقه العراق على يد محمد بن الحسن تلميذ الإمام أبي حنيفة.

لقد درس هذا الفقه مرة عندما كان في نحو العشرين، وهاهو ذا اليوم في نحو الخامسة والثلاثين وقد أكسبته السنون خبرة، وأنضجت الدراسة والمعاناة والتأملات عقله وقلبه، يعيد دراسة فقه أبي حنيفة وغيره من فقهاء العراق، ويبذل في كل أولئك من الجهد ما جعل الطبيب يحذره من السل.

صاحب الشافعي محمدا يتلقى منه فقه أهل الرأي، ولم يجد في ذلك غضاضة، فقد كان دائما مشقا الى المعرفة، والى المزيد من العلم، وكان يقول: «من حسب أنه علم فقد ضل وجهل».

ولزم الشافعي حلقة محمد بن الحسن في بغداد، وشاهد في الحلقة مخالفة لمالك، هجوما على آرائه، وكان يستحي أن يواجه محمدا في الحلقة بخلافه معه حول الإمام مالك، فما كايد محمد ينصرف عن حلقته، حتى يسرع الشافعي في مناظرة تلاميذ محمد، مدافعا عن فقه الإمام مالك، وعن أهل السنة، حتى لقد أطلقوا عليه في العراق إسم «ناصر السنة».

وعرف محمد أن الشافعي يناظر في غيابه، فأصر محمد على أن يناظره الشافعي.

وأبى الشافعي خجلا من محمد، ولكن محمدا ألح عليه فتناظرا في رأي الإمام مالك في الإكتفاء بشاهد واحد مع اليمين.

وظهر الشافعي على محمد في المناظرة.

ثم رجع الشافعي عن هذا الرأي عندما رحل الى مصر، وسمع من تلاميذ الإمام الليث حج شيخهم في التمسك بشاهدين.. فأخذ الشافعي برأي الليث...

أعجب محمد بالشافعي، وولع بمناظراته. وأعجب الشافعي بعلم محمد وبخلقه العلمي، فما كان يغضب إذا غلبه مناظر، وما أسرع ما كان يعترف لمناظره بالصواب إن اقتنع بحجته.

قال عنه الشافعي: «ما رأيت أحدا سئل في مسالة فيها نظر إلا رأيت الكراهة في وجهه إلا محمد بن الحسن».

وقد بلغ من حب محمد للشافعي، أنه على كان على موعد مع الخليفة، وإذ بالشافعي أمام دار محمد، فنزل محمد عن دابته، وقال لغلامه إذهب فاعتذر. وأخذ بيد الشافعي، فقال الشافعي: «لنا قلت غير هذا». فقال محمد: «لا».

ودخل به داره يتناظران ويتدارسان. 

ليست هناك تعليقات: