الجمعة، 11 أكتوبر 2024

من سورة الرعد

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٢
من سورة الرعد 
﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِی رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ بِغَیۡرِ عَمَدࣲ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ یَجۡرِی لِأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ یُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ یُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاۤءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ﴾ [الرعد ٢]

يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ: أَنَّهُ الَّذِي بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ رَفَع السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عمَد، بَلْ بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ(١) وَتَسْخِيرِهِ رَفَعَهَا عَنِ الْأَرْضِ بُعدًا لَا تُنَالُ ولا يدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بِجَمِيعِ الْأَرْضِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهَا وَجِهَاتِهَا(٢) وَأَرْجَائِهَا، مُرْتَفِعَةٌ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَلَى السَّوَاءِ، وَبُعْدُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةِ مَسِيرَةُ خَمْسمِائَةِ عَامِ، وَسُمْكُهَا فِي نَفْسِهَا مَسِيرَةُ خَمْسمِائَةِ عَامٍ. ثُمَّ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ مُحِيطَةٌ بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا وَمَا حَوَتْ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهَا مِنَ الْبُعْدِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَسُمْكُهَا خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ السَّمَاءُ الثَّالِثَةُ مُحِيطَةٌ(٣) بِالثَّانِيَةِ، بِمَا فِيهَا، وَبَيْنَهَا(٤) وَبَيْنَهَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَسُمْكُهَا خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَكَذَا الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ، كَمَا قَالَ [اللَّهُ](٥) تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطَّلَاقِ: ١٢] وَفِي الْحَدِيثِ: "مَا السماواتُ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاة، وَالْكُرْسِيِّ فِي الْعَرْشِ كَتِلْكَ(٦) الْحَلْقَةِ فِي تِلْكَ الْفَلَاةِ(٧) وَفِي رِوَايَةٍ: "وَالْعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْعَرْشِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَبُعْدَ مَا بَيْنَ قُطْرَيْهِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَهُوَ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ: أَنَّهُمْ: قَالُوا: لَهَا عَمَد وَلَكِنْ لَا تُرَى.وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ، يَعْنِي بِلَا عَمَدٍ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالسِّيَاقِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ [الْحَجِّ: ٦٥] فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿تَرَوْنَهَا﴾ تَأْكِيدًا لِنَفْي ذَلِكَ، أَيْ: هِيَ مَرْفُوعَةٌ بِغَيْرِ عَمْدٍ كَمَا تَرَوْنَهَا. هَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ فِي الْقُدْرَةِ. وَفِي شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الَّذِي آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ(٨) وَيُرْوَى لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ:وأنتَ الَّذِي مِنْ فَضْل مَنٍّ وَرَحْمَة ... بَعَثتَ إلى مُوسَى رَسُولا مُنَاديا ...فقلت له: فاذهَبْ وهارونَ فادعُوَا ... إِلَى اللَّهِ فرْعَونَ الَّذِي كانَ طَاغيا ...وَقُولا لَهُ: هَلْ أنتَ سَوّيت هَذه ... بِلَا [وتَد حَتَّى اطْمَأَنَّتْ(٩) كَمَا هِيَاوقُولا له: أأنتَ رَفَّعتَ هَذه ... بلا](١٠) عَمَد أرْفِقْ إذَا بَِك بانيَا؟ ...وَقُولا لَه: هَل أنتَ سَوَّيت وَسْطَهَا ... مُنيرًا إِذَا مَا جَنَّك الليَّل هاديا وقُولا لَهُ: مَنْ يُرْسِلُ الشَّمس غُدوةً ... فيُصبحَ مَا مَسَّتْ مِنَ الأرضِ ضَاحيا؟ ...وَقُولا لَهُ: مَن يُنْبِت الحَبَّ فِي الثَّرَى ... فيُصبحَ مِنْه العُشب يَهَْتُّز رَابيا؟ ...وَيُْخِرجُ منْه حَبَّه فِي رُءُوسِهِ ... فَفِي ذَاكَ آياتٌ لِمنْ كَانَ وَاعيَا(١١)
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ "الْأَعْرَافِ"(١٢) وَأَنَّهُ يُمَرَّر(١٣) كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ، وَلَا تَشْبِيهٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ، تَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى﴾ قِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ إِلَى انْقِطَاعِهِمَا بِقِيَامِ السَّاعَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: ٣٨] .وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِلَى مُسْتَقَرِّهِمَا، وَهُوَ تَحْتَ الْعَرْشِ مِمَّا يَلِي بَطْنَ الْأَرْضِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُمَا وَسَائِرُ الْكَوَاكِبِ إِذَا وَصَلُوا هُنَالِكَ، يَكُونُونَ أَبْعَدَ مَا يَكُونُ(١٤) عَنِ الْعَرْشِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي تقومُ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ، قُبَّةٌ مِمَّا يَلِي الْعَالَمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ بِمُحِيطٍ كَسَائِرِ الْأَفْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ(١٥) لَهُ قَوَائِمُ وَحَمَلَةٌ يَحْمِلُونَهُ. وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّر مَا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.وَذَكَرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ؛ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ السَّبْعَةِ، الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ وَأَعْظَمُ.مِنَ الثَّوَابِتِ، فَإِذَا كَانَ قَدْ سَخَّرَ هَذِهِ، فَلأن يُدْخُلُ فِي التَّسْخِيرِ سائرُ الْكَوَاكِبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، كَمَا نَبَّهَ(١٦) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: ٣٧] مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ(١٧) ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٥٤] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ أَيْ: يُوَضِّحُ(١٨) الْآيَاتِ وَالدَّلَالَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ يُعِيدُ الْخَلْقَ إِذَا شَاءَ كَمَا ابْتَدَأَ خَلْقَهُ.

(١) في ت، أ: "بل بأمره وبإذنه".
(٢) في ت، أ: "جهاتها ونواحيها".
(٣) في ت: "تحيط".
(٤) في أ: "بينهما".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في أ: "كمثل".
(٧) سبق الكلام على هذا الحديث والذي بعده مفصلا عند تفسير الآية: ٢٥٥ من سورة البقرة.
(٨) رواه ابن عبد البر في التمهيد (٤/٧) من طريق أبي بكر الهذلي عن عكرمة قال: قلت لابن عباس: أرأيت ما جاء عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي أمية بن أبي الصلت: "آمن شعره وكفر قلبه؟ " قال: هو حق فما أنكرتم من ذلك؟ . . . الحديث.
(٩) في ت أ: "استقلت"، والمثبت من سيرة ابن هشام.
(١٠) زيادة من ت، أ، وسيرة ابن هشام.
(١١) الأبيات في السيرة النبوية لابن هشام (١/٢٢٨) .
(١٢) انظر: تفسير الآية: ٥٤.
(١٣) في ت: "يمر".
(١٤) في ت، أ: "ما يكون".
(١٥) في ت، أ: "لآن".
(١٦) في ت: "بينه".
(١٧) في ت: "في قوله".
(١٨) في ت، أ: "نوضح".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2024

من سورة الرعد

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١ من 
سورة الرعد 
﴿الۤمۤرۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِۗ وَٱلَّذِیۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الرعد ١]

تَفْسِيرُ سُورَةِ الرَّعْدِ[وَهِيَ مَكِّيَّةٌ](١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *(٢)أَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ(٣) فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وقَدَّمنا أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ تَبتدأ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فَفِيهَا الِانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ، وَتِبْيَانُ أَنْ نُزُولَهُ(٤) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ وَلَا رَيْبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ أَيْ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: التَّوْارَةُ وَالْإِنْجِيلُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ(٥) بَلْ هُوَ بَعِيدٌ.ثُمَّ عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ عَطْفَ صِفَاتٍ قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ﴾ أَيْ: يَا مُحَمَّدُ، ﴿مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ﴾ خَبَرٌ تَقَدَّمُ مُبْتَدَؤُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُطَابِقُ لِتَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً أَوْ عَاطِفَةً صِفَةً(٦) عَلَى صِفَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرُ:إِلَى المَلك القَرْمِ وَابْنِ الهُمَام ... وَلَيث الْكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَمْ(٧)
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يُوسُفَ: ١٠٣] أَيْ: مَعَ هَذَا الْبَيَانِ وَالْجَلَاءِ وَالْوُضُوحِ، لَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الشِّقَاقِ وَالْعِنَادِ وَالنِّفَاقِ.

(١) زيادة من ت، أ.
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في أ: "تقدم الكلام عليها".
(٤) في ت، أ: "أنه نزل".
(٥) في ت، أ: "وفيه تطويل".
(٦) في ت، أ: "لصفة".
(٧) البيت في تفسير الطبري (١٦/٣٢١) .

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الاثنين، 7 أكتوبر 2024

من سورة يوسف

🎉‏صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٠٩
من سورة يوسف 
﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰۤۗ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [يوسف ١٠٩]

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا أرسلَ رسُلَه مِنَ الرِّجَالِ لَا مِنَ النِّسَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوحِ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنَاتِ بَنِي آدَمَ وَحي تَشْرِيعٍ.وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ سَارَّةَ امْرَأَةَ الْخَلِيلِ، وَأُمَّ مُوسَى، وَمَرْيَمَ أَمَّ عيسى نبيات، واحتجوا بأن الملائكة بَشَّرَتْ سَارَّةَ بِإِسْحَاقَ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، وَبِقَوْلِهِ: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ الْآيَةَ. [الْقَصَصِ: ٧] ، وَبِأَنَّ الْمَلَكَ جَاءَ إِلَى مَرْيَمَ فَبَشَّرَهَا بِعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبُقُولِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٤٢، ٤٣] .وَهَذَا الْقَدْرُ حَاصِلٌ لَهُنَّ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُنَّ نَبِيَّاتٍ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَائِلُ بِنُبُوَّتِهِنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ التَّشْرِيفِ، فَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَيَبْقَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي أَنَّ هَذَا: هَلْ يَكْفِي فِي الِانْتِظَامِ فِي سَلْكِ النُّبُوَّةِ بِمُجَرَّدِهِ أَمْ لَا؟ الَّذِي عَلَيْهِ [أَئِمَّةُ](١) أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ عَنْهُمْ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي النِّسَاءِ نَبِيَّةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِنَّ صِدِّيقَاتٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ أَشْرَفِهِنَّ مريمَ بِنْتِ عِمْرَانَ حَيْثُ قَالَ: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٧٥] فَوَصَفَهَا فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهَا بِالصِّدِّيقَيةِ، فَلَوْ كَانَتْ نَبِيَّةً لَذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَقَامِ التَّشْرِيفِ وَالْإِعْظَامِ، فَهِيَ صِدِّيقَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾(٢) أَيْ: لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا قُلْتُمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْتَضِدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ﴾ الْآيَةَ [الْفُرْقَانِ: ٢٠] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨، ٩] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ الْآيَةَ [الْأَحْقَافِ: ٩] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ الْمُرَادُ بِالْقُرَى: الْمُدُنُ، لَا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي، الَّذِينَ هُمْ أَجْفَى النَّاسِ طِبَاعًا وَأَخْلَاقًا. وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَعْرُوفُ أَنَّ أَهْلَ الْمُدُنِ أَرَقُّ طِبَاعًا، وَأَلْطَفُ مِنْ أَهْلِ سَوَادِهِمْ، وَأَهْلُ الرِّيفِ وَالسَّوَادِ أَقْرَبُ حَالًا مِنَ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي الْبَوَادِي؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [التَّوْبَةِ: ٩٧] .وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ وَأَحْلَمُ مَنْ أَهْلَ الْعَمُودِ.وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَاقَةً، فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِيهِ وَيَزِيدُهُ حَتَّى رَضِيَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أَتَّهِبَ هِبَةً إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ، أَوْ أَنْصَارِيٍّ، أَوْ ثَقَفِيٍّ، أَوْ دَوْسِي".(٣)وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ -قَالَ الْأَعْمَشُ: هُوَ [ابْنُ](٤) عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ".(٥)
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ﴾ [يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي الْأَرْضِ،](٦) ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أَيْ: مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، كَيْفَ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا، كَقَوْلِهِ: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الْحَجِّ: ٤٦] ، فَإِذَا اسْتَمَعُوا(٧) خَبَرَ ذَلِكَ، رَأَوْا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ الْكَافِرِينَ وَنَجَّى الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذِهِ كَانَتْ سُنَّتَهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾(٨) أَيْ: وَكَمَا أَنْجَيْنَا الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا، كَذَلِكَ كَتَبْنَا لَهُمُ النَّجَاةَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَيْضًا، وَهِيَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بِكَثِيرٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غَافِرٍ: ٥٠، ٥١] .وَأَضَافَ الدَّارَ إِلَى الْآخِرَةِ فَقَالَ: ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ﴾ كَمَا يُقَالُ: "صَلَاةُ الْأُولَى" وَ"مَسْجِدُ الْجَامِعِ" وَ"عَامُ الْأَوَّلِ" وَ "بَارِحَةُ الْأُولَى" وَ"يَوْمُ الْخَمِيسِ". قَالَ الشَّاعِرُ: أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتذمّ(٩) عَبْسًا ... أَلَا لِلَّهِ أمَّكَ مِنْ هَجين ...وَلو أقْوتْ عَلَيك ديارُ عَبْسٍ ... عَرَفْتَ الذُّلَّ عرْفانَ اليَقين(١٠)

(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت: "يوحى".
(٣) رواه أحمد في المسند (١/٢٩٥) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٤) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٥) المسند (٢/٤٣) .
(٦) زيادة من ت.
(٧) في ت، أ: "استعملوا".
(٨) في ت، أ: "يتقون" وهو خطأ.
(٩) في ت: "وتمدح".
(١٠) البيتان في تفسير الطبري (١٦/٢٩٥) .

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

السبت، 5 أكتوبر 2024

من سورة يوسف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٠٥_١٠٧
من سورة يوسف 
﴿وَكَأَیِّن مِّنۡ ءَایَةࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ یَمُرُّونَ عَلَیۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ (١٠٥) وَمَا یُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوۤا۟ أَن تَأۡتِیَهُمۡ غَـٰشِیَةࣱ مِّنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوۡ تَأۡتِیَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ (١٠٧)﴾ [يوسف ١٠٥-١٠٧]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ [غَفْلَةِ](١) أَكْثَرِ النَّاسِ عَنِ التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَدَلَائِلِ تَوْحِيدِهِ، بِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ كَوَاكِبَ زَاهِرَاتٍ ثَوَابِتَ، وَسَيَّارَاتٍ وَأَفْلَاكٍ دَائِرَاتٍ، وَالْجَمِيعُ مُسَخَّرَاتٌ، وَكَمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ قِطَعٍ مُتَجَاوِرَاتٍ وَحَدَائِقَ وَجَنَّاتٍ وَجِبَالٍ رَاسِيَاتٍ، وَبِحَارٍ زَاخِرَاتٍ، وَأَمْوَاجٍ مُتَلَاطِمَاتٍ، وَقِفَارٍ شَاسِعَاتٍ، وَكَمْ مِنْ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتٍ، وَحَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ، وَثَمَرَاتٍ مُتَشَابِهَةٍ وَمُخْتَلِفَاتٍ، فِي الطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْأَلْوَانِ وَالصِّفَاتِ، فَسُبْحَانَ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ، خَالِقِ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ، الْمُتَفَرِّدِ بِالدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ وَالصَّمَدِيَّةِ ذِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ إِيمَانِهِمْ، إِذَا قِيلَ لَهُمْ: مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ؟ وَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ وَمَنْ خَلَقَ الْجِبَالِ؟ قَالُوا: "اللَّهُ"، وَهُمْ مُشْرِكُونَ بِهِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ(٢) أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قَالُوا: "لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ" يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "قَدْ قَدْ"، أَيْ حَسْبُ حَسْبُ، لَا تَزِيدُوا عَلَى هَذَا(٣) .وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لُقْمَانَ: ١٣] وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الْأَعْظَمُ الَّذِي يَعْبُدُ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك"(٤) .وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ قَالَ: ذَلِكَ الْمُنَافِقُ يَعْمَلُ إِذَا عَمِلَ رِيَاءَ النَّاسِ، وَهُوَ مُشْرِكٌ بِعَمَلِهِ ذَاكَ، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا﴾ [النِّسَاءِ: ١٤٢] .وثمَّ شِرْكٌ آخَرُ خَفِيٌّ لَا يَشْعُرُ بِهِ غَالِبًا فَاعِلُهُ، كَمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ عُرْوَة قَالَ: دَخَلَ حُذَيْفَةُ عَلَى مَرِيضٍ، فَرَأَى فِي عَضُدِهِ سَيْرًا فَقَطَعَهُ -أَوِ: انْتَزَعَهُ -ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾وَفِي الْحَدِيثِ: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحسنَّهَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ(٥)وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ الرُّقَى والتَّمائِم والتِّوَلة شرْك"(٦) .وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: " [الطيَرة شِرْكٌ](٧) وَمَا منَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ"(٨) .وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ يَحْيَى الْجَزَّارِ(٩) عَنِ ابْنِ أَخِي، زَيْنَبَ [عَنْ زَيْنَبَ](١٠) امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ تَنَحْنَحَ(١١) وَبَزَقَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، قَالَتْ: وَإِنَّهُ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَتَنَحْنَحَ وَعِنْدِي عَجُوزٌ تَرْقِينِي مِنَ الحُمْرَة فَأَدْخَلْتُهَا تَحْتَ السَّرِيرِ، قَالَتْ: فَدَخَلَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِي، فَرَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا، قَالَ: مَا هَذَا الْخَيْطُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: خَيْطٌ رُقِى لِي فِيهِ. قَالَتْ: فَأَخَذَهُ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آلَ عَبْدِ اللَّهِ لأغنياءٌ عَنِ الشِّرْكِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ والتِّوَلة شِرْكٌ". قَالَتْ، قُلْتُ لَهُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا وَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِيهَا، فَكَانَ إِذَا رَقَاهَا سَكَنَتْ؟ قَالَ: إِنَّمَا ذَاكَ مِنَ الشَّيْطَانِ. كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رَقَيْتِهَا كَفَّ عَنْهَا: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا"(١٢) .وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيع، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْم(١٣) وَهُوَ مَرِيضٌ نَعُودُهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَعَلَّقت شَيْئًا؟ فَقَالَ: أَتَعَلَّقُ شَيْئًا! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ تَعَلَّق شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ"(١٤) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ(١٥) .وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ علَّق تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ" وَفِي رِوَايَةٍ: "مَنْ تَعَّلق تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ ودَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ"(١٦)وَعَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وشِرْكه". رَوَاهُ مُسْلِمٌ(١٧) .وَعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، يُنَادِي مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ(١٨) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا لَيْث، عَنْ يَزِيدَ -يَعْنِي: ابْنَ الْهَادِ -عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "إن أخْوَف ما أخاف عليكم الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ". قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رسول الله؟ قال: "الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً"(١٩) .وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيد، بِهِ(٢٠) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعة، أَنْبَأَنَا ابْنُ هُبَيْرة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ(٢١) وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ"(٢٢) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ العَرْزَمي، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ -رَجُلٍ مِنْ بَنِي كَاهِلٍ -قَالَ: خَطَبَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقَوْا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيب النَّمْلِ. فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَزْن وَقَيْسُ بْنُ الْمُضَارِبِ فَقَالَا وَاللَّهِ لَتُخْرِجَنَّ(٢٣) مِمَّا قُلْتَ أَوْ لَنَأْتِيَنَّ عُمَرَ مَأْذُونًا لَنَا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، قَالَ: بَلْ أخرج مما قلت، خطبنا رسول اللَّهِ ﷺ [ذَاتَ يَوْمٍ](٢٤) فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقَوْا هَذَا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ". فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: فَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نُعُوذُ بِكَ [مِنْ](٢٥) أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ"(٢٦) .وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّ السَّائِلَ فِي ذَلِكَ هُوَ الصِّدِّيقُ، كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ لَيْث بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ مَعْقِل بْنِ يَسَار قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ ﷺ -أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "الشِّرْكُ أَخْفَى فِيكُمْ مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ". ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا يُذهب عَنْكَ صَغِير ذَلِكَ وَكَبِيرَهُ؟ قُلِ: اللَّهُمَّ، أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا لَا أَعْلَمُ"(٢٧) .وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "الشِّرْكُ أَخْفَى فِي أُمَّتِي مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا". قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ النَّجَاةُ وَالْمَخْرَجُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ إِذَا قَلْتَهُ برئتَ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَصَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ؟ ". قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ، إِنِّي أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ"(٢٨) .قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ هَذَا يُقَالُ لَهُ: "أَبُو النَّضْرِ"، مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَاصِمٍ(٢٩) سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ إِذَا أصبحتُ، وَإِذَا أمسيتُ، وَإِذَا أَخَذْتُ مَضْجَعِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ"(٣٠) .وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ لَيْثٍ مِنْ أَبِي سُلَيْمٍ، [عَنْ مجاهد](٣١) عن أبي بكر الصديق قال: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَقُولَ. . . فَذَكَرَ هَذَا الدُّعَاءَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: "وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أجُرّه إِلَى مُسْلِمٍ"(٣٢) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ: أَفَأَمِنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ [بِاللَّهِ](٣٣) أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَمْرٌ يَغْشَاهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النَّحْلِ: ٤٥ -٤٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٩٧ -٩٩] .

(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "في صحيح مسلم".
(٣) صحيح مسلم برقم (١١٨٥/٢٢) .
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٤٧٧) وصحيح مسلم برقم (٦٨) .
(٥) سنن الترمذي برقم (١٥٣٥) .
(٦) المسند (١/٣٨١) وسنن أبي داود برقم (٣٨٨٣) ورواه ابن ماجه في السنن برقم (٣٥٣٠) .
(٧) زيادة من ت، أ، والمسند وسنن أبي داود.
(٨) المسند (١/٣٨٩) وسنن أبي داود برقم (٣٩١٠) .
(٩) في ت، أ: "يحيى بن الجزار".
(١٠) زيادة من ت، أ، والمسند.
(١١) في ت: "تنجيح".
(١٢) المسند (١/٣٨١) .
(١٣) في ت: "حكيم".
(١٤) المسند (٤/٣١٠) ورواه الترمذي في السنن برقم (٢٠٧٢) من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى به، وقال الترمذي: "وحديث عبد الله بن حكيم إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن حكيم لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ يقول: "كتب إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ".
(١٥) سنن النسائي (٧/١١٢) .
(١٦) المسند (٤/١٥٦) وقال المنذري في الترغيب (٤/٣٠٧) : "رجاله ثقات".
(١٧) صحيح مسلم برقم (٢٩٨٥) .
(١٨) المسند (٤/٢١٥) .
(١٩) المسند (٥/٤٢٨) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام.
(٢٠) رواه البغوي في شرح السنة (١٤/٣٣٣) من طريق عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ به.
(٢١) في ت: "لا غير إلا غيرك".
(٢٢) المسند (٢/٢٢٠) ورواه ابن السنى في عمل اليوم والليلة (ص ٢٩٣) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ به، فصح الحديث بحمد الله.
(٢٣) في ت: "ليخرجن".
(٢٤) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٢٥) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٢٦) المسند (٤/٤٠٣) .
(٢٧) مسند أبي يعلى (١/٦٢) ورواه ابن جريج عن ليث، عن أبي محمد، عن حذيفة نحوه، وأخرجه أبو يعلى في المسند (١/٦٠) وأبو محمد مجهول، وليث بن أبي سليم ضعيف.
(٢٨) ورواه أبو نعيم في الحلية (٧/١١٢) من طريق يحيى بن محمد البختري، عن شيبان بن فروخ به نحوه، وقال: "تفرد به عن الثوري يحيى بن كثير".
(٢٩) في هـ، أ: "عاص" والمثبت من ت والمسند.
(٣٠) المسند (١/٩) وسنن أبي داود برقم (٥٠٦٧) وسنن الترمذي برقم (٣٣٩٢) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٧٦٩١) .
(٣١) زيادة من ت، أ.
(٣٢) المسند (١/١٤) .
(٣٣) زيادة من ت، أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الاثنين، 9 سبتمبر 2024

من سورة يوسف

 صدقة جارية 

تفسير اية رقم ٧٣_٧٦

من سورة يوسف 

﴿قَالُوا۟ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَـٰرِقِینَ (٧٣) قَالُوا۟ فَمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُهُۥۤ إِن كُنتُمۡ كَـٰذِبِینَ (٧٤) قَالُوا۟ جَزَ ٰ⁠ۤؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِی رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَ ٰ⁠ۤؤُهُۥۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی ٱلظَّـٰلِمِینَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوۡعِیَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَاۤءِ أَخِیهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَاۤءِ أَخِیهِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ كِدۡنَا لِیُوسُفَۖ مَا كَانَ لِیَأۡخُذَ أَخَاهُ فِی دِینِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِی عِلۡمٍ عَلِیمࣱ (٧٦)﴾ [يوسف ٧٣-٧٦]


لَمَّا اتَّهَمَهُمْ أُولَئِكَ الْفِتْيَانُ بِالسَّرِقَةِ، قَالَ لَهُمْ إِخْوَةُ يُوسُفَ: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أَيْ: لَقَدْ تَحَقَّقْتُمْ وَعَلِمْتُمْ مُنْذُ(١) عَرَفْتُمُونَا، لِأَنَّهُمْ(٢) شَاهَدُوا مِنْهُمْ سِيرَةً حَسَنَةً، أنَّا مَا جِئْنَا لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ، أَيْ: لَيْسَتْ سَجَايَانَا تَقْتَضِي هَذِهِ الصِّفَةَ، فَقَالَ(٣) لَهُمُ الْفِتْيَانُ: ﴿فَمَا جَزَاؤُهُ﴾ أَيِ: السَّارِقُ، إِنْ كَانَ فِيكُمْ ﴿إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ﴾ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ عُقُوبَتَهُ إِنْ وَجَدْنَا فِيكُمْ مِنْ أَخَذَهُ(٤) ؟ ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾وَهَكَذَا كَانَتْ شَرِيعَةُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ السَّارِقَ يُدْفَعُ إِلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَلِهَذَا بَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ، أَيْ فَتَّشَهَا قَبْلَهُ، تَوْرِيَةً، ﴿ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ بِحُكْمِ اعْتِرَافِهِمْ وَالْتِزَامِهِمْ وَإِلْزَامًا لَهُمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ وَهَذَا مِنَ الْكَيْدِ الْمَحْبُوبِ الْمُرَادِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ.

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذَهُ فِي حُكْمِ مَلِكِ مِصْرَ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ.وَإِنَّمَا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَنِ(٥) الْتَزَمَ لَهُ إِخْوَتُهُ بِمَا الْتَزَمُوهُ، وَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرِيعَتِهِمْ؛ وَلِهَذَا مَدَحَهُ تَعَالَى فَقَالَ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ١١] .﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ عَالِمٌ إِلَّا فَوْقَهُ عَالِمٌ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ، فَتَعَجَّبُ رَجُلٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، اللَّهُ الْعَلِيمُ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ](٦) وَكَذَا رَوَى سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ قَالَ: يَكُونُ هَذَا أَعْلَمَ مِنْ هَذَا، وَهَذَا أَعْلَمَ مِنْ هَذَا، وَاللَّهُ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. وَهَكَذَا(٧) قَالَ عِكْرِمَةُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى اللَّهِ، مِنْهُ بُدئ وَتَعَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ "وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ".


(١) في ت: "مذ".

(٢) في ت: "لا لأنهم".

(٣) في أ: "فقالت".

(٤) في أ: "فيهم من أخذها".

(٥) في ت: "أنه".

(٦) زيادة من ت، أ.

(٧) في ت، أ: "وكذا".


(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))




الخميس، 5 سبتمبر 2024

من سورة يوسف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٦٣_٦٤
من سورة يوسف 
﴿فَلَمَّا رَجَعُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَبِیهِمۡ قَالُوا۟ یَـٰۤأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَیۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَاۤ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ (٦٣) قَالَ هَلۡ ءَامَنُكُمۡ عَلَیۡهِ إِلَّا كَمَاۤ أَمِنتُكُمۡ عَلَىٰۤ أَخِیهِ مِن قَبۡلُ فَٱللَّهُ خَیۡرٌ حَـٰفِظࣰاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰ⁠حِمِینَ (٦٤)﴾ [يوسف ٦٣-٦٤]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ﴾ يَعْنُونَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، إِنْ لَمْ تُرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا بِنْيَامِينَ، فَأَرْسِلْهُ مَعَنَا نَكْتَلْ.وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: [يَكْتَلْ](١) بِالْيَاءِ، أَيْ يَكْتَلُ هُوَ، ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أَيْ: لَا تَخَفْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَيْكَ. وَهَذَا كَمَا قَالُوا لَهُ فِي يُوسُفَ: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(٢) ؛ وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ: ﴿هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: هَلْ أَنْتُمْ صَانِعُونَ بِهِ إِلَّا كَمَا صَنَعْتُمْ بِأَخِيهِ مِنْ قَبْلُ، تُغَيِّبُونَهُ عَنِّي، وَتَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حفظًا﴾ وقرأ بعضهم: "حَافِظًا" ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أَيْ: هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ بِي، وَسَيَرْحَمُ كِبَرِي وَضَعْفِي وَوَجْدِي بِوَلَدِي، وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ، وَيَجْمَعَ شَمْلِي بِهِ، إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "نرتع ونلعب".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الجمعة، 30 أغسطس 2024

من سورة يوسف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٥٤_٥٥
من سورة يوسف 
﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِی بِهِۦۤ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِیۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡیَوۡمَ لَدَیۡنَا مَكِینٌ أَمِینࣱ (٥٤) قَالَ ٱجۡعَلۡنِی عَلَىٰ خَزَاۤىِٕنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمࣱ (٥٥)﴾ [يوسف ٥٤-٥٥]

يَقُولُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَلِكِ حِينَ تَحَقَقَ بَرَاءَةَ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَنَزَاهَةَ عرْضه مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ، قَالَ: ﴿ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ أَيْ: أَجْعَلُهُ مِنْ خَاصَّتِي وَأَهْلِ مَشُورَتِي ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ﴾ أَيْ: خَاطَبَهُ الْمَلِكُ وَعَرَفَهُ، وَرَأَى فَضْلَهُ وَبَرَاعَتَهُ، وَعَلِمَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ خَلْق وخُلُق وَكَمَالٍ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ أَيْ: إِنَّكَ عِنْدَنَا قَدْ بَقِيتَ ذَا مَكَانَةٍ وَأَمَانَةٍ، فَقَالَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ إِذَا جُهِل أَمْرُهُ، لِلْحَاجَةِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ ﴿حَفِيظٌ﴾ أَيْ: خَازِنٌ أَمِينٌ، ﴿عَلِيمٌ﴾ ذُو عِلْمٍ وبصرَ بِمَا يَتَوَلَّاهُ(١) .قَالَ شَيْبَةُ بْنُ نَعَامَةَ: حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعَتْنِي، عَلِيمٌ بِسِني الجَدْب. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.وَسَأَلَ الْعَمَلَ لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ لِلنَّاسِ(٢) وَإِنَّمَا سَأَلَ أَنْ يُجْعَل عَلَى خَزَائِنِ(٣) الْأَرْضِ، وَهِيَ الْأَهْرَامُ الَّتِي(٤) يُجْمَعُ فِيهَا الْغَلَّاتُ، لِمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنَ السِّنِينَ الَّتِي أَخْبَرَهُمْ بِشَأْنِهَا، لِيَتَصَرَّفَ لَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْوَطِ وَالْأَصْلَحِ وَالْأَرْشَدِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ رَغْبَةً فِيهِ، وتكرِمَةً لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:

(١) في ت: "نتولاه".
(٢) في ت: "مصالح الناس".
(٣) في ت: "خزان"
(٤) في ت: "الذي".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))